عندما انتعشت التجارة من جديد بعد غزوات الدوريين، أي في حوالي القرن التاسع، راح الرجال يغامرون بالسفر ويعيدون ربط شبكات التجارة القديمة التي مزقها الزمن. وكانوا ينقلون أشياء كثيرة في قدور وجرار تمكننا بقاياها من تتبع هذه العملية. كان تصميم تلك الأوعية وإتقان صنعها قد تراجعا كثيراً عند نهاية المرحلة الميقينية، ولكن حتى نحو عام 1000 ق.م كان الخزف يصنع بأسلوب جديد وجذاب جداً، ربما ابتدأ في أثينا. وكان يزين برسوم بسيطة جداً ولكنها جميلة ومكونة من أشكال مجردة مثل الخطوط والدوائر المتحدة المركز وشرائط الألوان ولهذا سميت رسوماً هندسية. ثم تطورت هذه الرسوم الجميلة فأصبحت أكثر تعقيداً، ولكن لم تظهر فيها الأشكال البشرية حتى القرن الثامن ق.م، أي بعد أن كان عمرها حوالي 250 سنة، وحتى هذه الأشكال البشرية كانت ترسم في البداية بطريقة هندسية ومجردة. وكان الخزف علامة على أن الحياة في بحر إيجة تزداد تحضراً من جديد.
تخبرنا رسوم السفن على مزهريات القرن الثامن القصة نفسها، أي عن وجود عالم إغريقي جديد في بحر إيجة بعد عام 776 ق.م بقليل وهو العام الذي صار الإغريق يعتبرونه بداية لتاريخهم. كان ذلك تاريخ حدث هام هو الألعاب الأولمبية الأولى، التي أخذت اسمها من اسم المكان الذي كانت تعقد فيه، أي أوليمبيا الواقعة في غرب اليونان، ويشك العلماء بهذا التاريخ (كما يبدو أنه كان ثمة احتفال أقدم سابق لهذه الألعاب المكونة من الملاكمة والجري والغناء والرقص)، ولكنه يبقى مع ذلك معلماً جيداً لبداية تاريخ اليونان. وقد ظلت هذه الألعاب تعقد بشكل منتظم تقريباً كل أربع سنوات طوال ألف سنة كاملة؛ ومع أنها صارت في حوالي عام 200 ق.م استعراضاً للمحترفين يجتذب السواح من الخارج، فإنها كانت في أيامها الأولى مسابقات لفرق الهواة التي تفد إليها من كافة أنحاء اليونان لتمثل مدنها. فكان هذا هو الاحتفال الوحيد الذي يجمع الأثينيين والطيبيين والإسبرطيين وممثلي مدن أخرى كثيرة بصورة منتظمة، وقد ساعدهم بذلك على أن يروا أنفسهم جميعاً كإغريق.
اللغة والهلينية
كان الإغريق يسمون أنفسهم Hellenes أما كلمة إغريقي Greek فهي مشتقة من اللاتينية، أي لغة الرومان الذين أتوا بعدهم، عند نهاية عصور الظلام كانت جماعات مختلفة عديدة في بحر إيجة تشعر أنها تشترك بأشياء كثيرة بالرغم من اقتتالها المتكرر فيما بينها. وأهم ما كانت تشترك به هو اللغة. وكانت اللغة اليونانية في القرن الثامن ق.م على وشك التطور بطريقة جديدة. إن أول شكل مكتوب من اللغة اليونانية وجد على رقم في كنوسوس وفي القصور الميقينية، ولكنه لم يستخدم إلا في المحاسبة، ولم تكتسب اليونانية شكلها الحالي إلا عندما أخذ الإغريق ربما من خلال التجارة اختراع الأبجدية الذي أوجده الفينيقيون وكيفوه لحاجاتهم الخاصة. وإن أول كتابة بالأحرف اليونانية الجديدة وجدت حتى الآن هي على إبريق يعود لعام 725 ق.م تقريباً. وعندما صارت اليونانية لغة مكتوبة كان الإغريق قد ساروا خطوة جديدة نحو فكرة أنهم بالرغم من جميع الفروق فيما بينهم يشتركون بأشياء كثيرة. والحقيقة أن شعورهم هذا كان قوياً إلى حد أن الكلمة الدالة على غير الإغريقي لديهم كانت مبنية على فكرة أنه لا يتحدث اليونانية: فكانوا يسمونه barbaraphonoi أي من ”يبربر” أو يتكلم كلاماً غير مفهوم، ومازالت كلمة بربري مستخدم للدلالة على الشخص غير المتحضر.
إن تدوين اللغة يثبت أفكارها، وعلى مدى مئات السنين كان الشعراء والقصاصون يكررون روايات وأغاني وأساطير الشعوب التي نشأ منها الإغريق. صحيح أن استظهار الأدب على هذه الصورة يعطيه عمراً مديداً، ولكن تفاصيله تتغير رويداً رويداً لأن الذين يؤدونه قد يرغبون بإظهار ناحية ما تبدو لهم مناسبة أو إدخال تلميح جديد يجعل أداءهم أقوى أثراً في مستمعيهم. أما عندما تدون القصص فلا يعود ثمة مجال كبير أمام الأفراد لتغييرها، لقد كانت هناك بالتأكيد مئات من القصص المعروفة عن الآلهة والأبطال في اليونان القديمة قبل أن يمكن تدوين أي منها، إلا أن ثمة مجموعة صارت أهميتها محورية في الثقافة والتربية عند الإغريق، لأن أول أعمال مكتوبة في الأدب الإغريقي قد أُخذت منها. تتحدث هذه القصص والأساطير عن حملة إخائية على طروادة، وهي مدينة في آسيا الصغرى، وتشكل أحداث تلك الحملة خلفية القصيدتين الطويلتين اللتين نسميهما الإلياذة والأوديسة، واللتين يبلغ طولهما معاً حوالي 28000 بيت شعر، وهما اثنان من أعظم الأعمال الأدبية في العالم. ويأتي اسم الإلياذة من الاسم اليوناني لمدينة طروادة (إليون) التي تخبرنا القصيدة أنها كانت تحت الحصار بينما تسرد لنا أياماً قليلة من حياة بطل إخائي عظمي هو أخيل. أما القصيدة الثانية فهي على اسم بطلها أوديسيوس، الذي ذهب إلى طروادة في نفس الحملة الإخائية، وهي تتحدث عن ترحاله طوال عشر سنوات بعد نهاية الحصار، وعن مغامراته الرائعة وسعة حيلته، ثم عودته أخيراً إلى وطنه وانتصاره على الذين حاولوا اغتصاب مكانه في غيابه. وتنسب التقاليد هاتين القصيدتين إلى رجل واحد وهو شاعر كفيف اسمه هوميرس، ربما كان يعيش على جزيرة خيو، ولكن هذا الأمر مازال موضوع خلاف، مثل أشياء كثيرة متعلقة بالقصيدتين.
يرجح أن الإلياذة والأوديسة قد دونتا للمرة الأولى في القرن السابع ق.م، وإذا كان الأمر كذلك فإنهما لم تكونا إلا أحدث نسختين من مواد قديمة جداً، فيها أفكار ونبذ حقائق من قرون عديدة، مخلوطة فيما بينها من دون أي معرفة بما يناسب كل حقبة تاريخية. وإذا أردت أن تتخيل شيئاً مشابهاً إلى حد ما فلك أن تتصور قصيدة من القرن العشرين تتحدث عن اكتشاف كولومبس لأمريكا مغلوطة ببضعة قرون، يسافر فيها في سفن شراعية، ولكنه يملك مع ذلك مذياعاً، ويقابل سكاناً أصليين يلبسون ويتكلمون ويفكرون مثل الأسبان، ومحبوك فيها فوق هذا كله تفاصيل وذكريات باهتة وبعض من لغة قصيدة بيولف*. وقد سبب هذا الخليط اختلافاً كبيراً بين الباحثين، وحاولوا ربطها بالآثار المكتشفة، ولكن كثيراً ما تبين أن الواقع كان مختلفاً جداً عما تصفه القصيدة. فحصار طروادة العظيم مثلاً الذي يستمر عشر سنوات في القصة لم يكن على الأرجح إلا غارة سريعة مثل غارات الفايكنغ قام بها بضع مئات من قطاع الطرق على مستوطنة صغيرة لا يزيد حجمها عن ثلاثة أو أربعة هكتارات. ولكنك بالرغم من هذا تجد ضمن هذا الخليط تفاصيل تلقي ضوءاً على عصور الظلام التي تحدرت منها بعض عناصر القصيدتين.
كانت هاتان القصيدتان عند الإغريق بمثابة كتب مقدسة، وكانت مكانتهما المحورية تشبه مكانة العهد القديم لدى اليهود. وقد بقي الشعراء المحترفون طوال أجيال يحصلون معيشتهم من التنقل وسرد الإلياذة والأوديسة، وفي الحالات القليلة التي يتلقى فيها الإغريق تعليماً رسمياً تكون هاتان القصيدتان أساسه. لقد لخص هوميروس الأمور التي جعلت الإغريق يعتبرون أنفسهم مختلفين، وقصيدتاه هما أول وثيقتين عن وعي الإغريق لذاتهم، فقد كانوا يعتقدون أنهما تضمان تاريخهم القديم، ومعلومات جوهرية عن آلهتهم وعلاقتها بالبشر وكيف تتصرف، وتفسيراً لمصير الإنسان والهدف من الحياة، ودليلاً للأخلاق ونماذج من السلوك السليم والخصال التي تجعل الإنسان يعيش حياة صالحة، وغير ذلك الكثير. لقد وجد الإغريق في الإلياذة والأوديسة نصوصاً لحل النزاعات، ومعايير للحكم على السلوك، وأبهى نموذج من أسلوب استعمال لغتهم، وساهمت هاتان القصيدتان في تشكيل أفكارهم وأذواقهم طوال مئات السنين، ثم أفكار البشرية لزمن أطول، واللافت أن الإغريق لم يكونوا يسمون هوميروس باسمه في العادة، بل كانوا يكتفون بلقب " الشاعر".
ديانة الإغريق
تجد في قصائد هوميروس الشيء الكثير عن الآلهة والآلهات وبالتالي عن الديانة التي كانت تجمع بين الإغريق. وقد صارت تلك الآلهة التي وصلتنا أسماؤهما مجمعاً مشتركاً في العالم الكلاسيكي بأكمله. ولكن لديانة الإغريق أبعاداً أخرى كثيرة ، ومن أجل أن تحاول فهمها يجب عليك أن تبعد عن تفكيرك بعض المعاني المرتبطة بالدين اليوم، إذ لم يكن لدى الإغريق مجموعة واضحة من العقائد ولا رجال دين مختصون بهذه الأمور -كانت لكهنتهم وعرافيهم وظائف أضيق- ولا كنيسة تجمع المؤمنين في منظمة مشتركة. بل كان لديهم خليط من الأساطير والأفكار والخرافات التي لم يكن أي منها مفروضاً عليهم جميعاً. إلا أن بعضها كانت تحاول فهم مشاكل الإنسان العميقة والدائمة، مثل سهولة انقلاب الحظ السعيد، والنقمة التي تترصد من يهزأ بقواعد الحياة أو يتكبر. لقد كانت الأساطير إذاً محاولة لمعالجة أحاجي الحياة. ونحن أيضاً لدينا أساطير، ولكنها في العادة مرتبطة بالعلم وليس بالآلهة. فنحن نقول مثلاً إن سلوك شخص ما يمكن تفسيره بشقاء عاشه في طفولته أو بضغوط العمل، ويعطينا هذا شعوراً بأننا نستطيع معالجة مشاكلنا، كأن نذهب إلى الطبيب مثلاً أو نأخذ عطلة. وعندما نحصل على نتيجة حسنة يتعزز إيماننا بهذه المعتقدات. والإغريق مثلنا كانت لديهم علاجات مبنية على الإيمان، ولكنه إيمان بأشياء غير التي نثق بها اليوم، إلا أن وسائلهم كانت تبدو لهم نافعة أيضاً، وكانت ممارسة الدين لديهم تعني أداء طقوس الغرض منها الحفاظ على رضا الآلهة.
كانت هناك أشياء مختلفة كثيرة قد يمارسها الإغريقي كجزء من ديانته، فقد كانت توجد مثلاً أشكال من العبادة بشكل طقوس أو أسرار تؤدى لتمثيل عمليات الطبيعة الكبرى مثل إنتاش النبات ونموه أو مرور الفصول. كما كانوا يفسرون الفأل أيضاً ويستشيرون العرافين في الأمور الهامة. كانت العرافة الأساسية هي عرافة أبولو في دلفي، ولكن كانت هناك أماكن كثيرة غيرها يحج الناس إليها من مسافات بعيدة من أجل أن تبين لهم مصائرهم. كان لكل مدينة آلهة تعيش في المعابد التي توجد عادة في الأكروبوليس*، وكانوا يخدمونها بخشوع في احتفالات المدينة التي تمتزج فيها الطقوس الدينية بالألعاب والعروض المسرحية، أو يقدمون لها القرابين في البيوت وفي مذابحها المقامة على جوانب الطرقات. كانت الآلهة أثينا مثلاً هي الآلهة الحارسة للمدينة التي تحمل اسمها، وقد تعبد في أماكن أخرى أيضا. ولا ننس التوقير الذي كانوا يؤدونه لمئات من الآلهة الصغرى والأرواح وقوى الطبيعة في آلاف المقامات. وإن القدر الكبير المقدم لها والجهود المبذولة لاسترضائها عن طريق القرابين مثلاً لتشير إلى أن عبادتها ربما كانت أكثر نواحي ديانة الإغريق شعبية.
كان الإغريق يعتقدون أن هذه الآلهة والإلهات التي يشتركون في عبادتها قد تتدخل في حياة البشر، ولكن ربما كان الاهتمام بها أكبر على المستوى الرسمي منه على مستوى الأفراد. وهي الآلهة التي تظهر قي قصائد هوميروس. وكانوا يعتقدون أن أكبرها تقيم على جبل ألومبس، وقد دخلت أسماؤها لاحقاً مثل زفس، وآريس، وأفروديت، إلى تراث أوروبا من الأساطير. وهي أوضح أمثلة على صورة الآلهة لدى الإغريق، وأبرز صفاتها هي أنها بشرية إلى حد بعيد. فصحيح أن زفس ملك الآلهة يكون في بعض الأحيان شخصية رهيبة يقذف صواعقه من حوله، إلا أنه في الوقت نفسه سيد إغريقي في أواسط العمر، طيب السرية وذو تصرفات خرقاء، كما أنه ميال إلى ملاحقة الفتيات. كذلك تجد في أفروديت إلهة الحب والخصب الكثير من صفات المرأة من غرور وأهواء. ولا تعيش هذه الآلهة بعيداً عن شؤون البشر بل تتدخل فيها مبدية عواطف بشرية إلى حد بعيد. فترى هوميروس يصور بوسيدون إله البحر والزلازل وهو يزرع درب أوديسيوس بالبلاء بسبب ضغينة يحملها عليه، بينما تنحاز إلى البطل وتساعده أثينا إلهة الحرب والحكمة العذراء التي تؤثره على سواه.
تشكل الديانة أساساً عميقاً من اللاعقلانية قد يغيب عن البال عندما ننظر إلى الحضارة الإغريقية في مرحلة نضجها القادمة. وقد نتجت عن هذه اللاعقلانية نظرات للعالم تكون أحياناً متعارضة أو متضاربة. كما أنها استعارت وضمت إليها عناصر من الخارج، مثل الأسطورة الآسيوية التي تقول بعصور الذهب والفضة والبرونز والحديد. إلا أن النتيجة كانت تجربة دينية مختلفة عن تجارب الشعوب الأخرى. وربما كان لهوميروس الدور الأكبر في تنظيم عالم ما فوق الطبيعة على هذه الصورة، وهو لا يفسح مجالاً كبيراً للعبادات الشعبية. وقد تذمر ناقد إغريقي في زمن لاحق من أن هذا الشاعر "قد نسب إلى الآلهة كل ما هو شائن ومعيب بين البشر، من سرقة وزنى وخداع". وكان محقاً في ذلك، لأن عالم الآلهة كما صوره هوميروس كان يسير بصورة مشابهة للعالم الحقيقي. فرغم أن ميثولوجيا الإغريق وفنهم قد يدينان بالكثير لمصر والشرق، فقد بقيا يصوران آلهتهم كرجال ونساء أفضل وأسوأ. وكان هذا العالم بعيداً كل البعد عن وحوش آشور وبابل أو عن شيفا* ذي الأذرع الكثيرة. ويشير هذا الأمر إلى تغير عظيم في المواقف الفكرية فإذا كانت الآلهة مثل البشر، فربما كان بإمكان الإنسان أن يصير مثل إله!!!
العالم الإغريقي
إن اليونان بحد ذاتها صغيرة جداً، ولكنها كانت جزءً من عالم أكبر بكثير. ولم يكن هناك في اليونان أو جزرها من يعيش على بعد أكثر من سبعين كيلو متر عن البحر، وهذا ما جعل الإغريق يألفون السفر في البحر وهو قوام الأوديسة، ولا يخافون منه مثل سكان البلاد البعيدة عنه. لذلك راحوا يستكشفون بيئتهم الأوسع ويستفيدون منها، ومنذ البداية كان سكان بحر إيجة من المستوطنين والمهاجرين، إذ لم يكن في بر اليونان فرص كثيرة للزراعة المجزية. والحقيقة أن زيادة عدد السكان قد سببت الضغط على الأراضي المتاحة، منذ القرن العاشر، فكان هذا هو المحرك البعيد لموجة كبيرة من الاستيطان، أدت عند نهايتها في القرن السادس إلى ظهور عالم إغريقي يمتد بعيداً وراء بحر إيجة، من البحر الأسود في الشرق حتى جزر البليار* وفرنسا وصقيلة في الغرب وليبيا في الجنوب. وكان هناك قوى أخرى تفعل فعلها أيضاً، فبينما كان المزارعون الباحثون عن الأرض يستوطنون تراقيا** استقر إغريق آخرون على ساحل بلاد الشام وجنوب إيطاليا من أجل المتاجرة. لقد كان الفينيقيون هو الذين فتحوا هذا الطريق، وربما شجع ذلك الإغريق على التشبه بهم أو نبههم إلى مواقع مناسبة لإقامة المستوطنات، فصاروا يرسلون إليها الأعداد الزائدة من السكان. إن أول مستوطنة إغريقية في غرب المتوسط قد أسستها في خليج نابولي حملة أرسلتها مدينتا خلقيس وأرتريا في حوالي عام 750 ق.م. وفي القرن التالي راحت مدن أخرى تنشئ مستوطنات صغيرة لها سوف تصبح مكتفية بذاتها ومستقلة مثل المدن الأصلية. فضربت المستوطنات جذورها في السهول الزراعية بصقلية كما نشأت على سواحل شمال أفريقيا وفرنسا، وكان إحداها أصل مدينة مرسيليا. كان أنجح تلك المستوطنات هي سيراكوزا (سرقوسة) في صقيلة، وقد صارت بين عامي 500 و 350 ق.م تقريباً، أي ما يسمى الأزمنة (الكلاسيكية) المدينة الإغريقية الوحيدة التي تضم أكثر من مئة ألف نسمة، فضلاً عن أثينا، وتذكرنا تلك الحقيقة بالضآلة النسبية لأعداد السكان في الحضارة الإغريقية.
بعد أن استولى الإغريق على المواقع الطيبة في صقلية وإيطاليا تحول اهتمامهم نحو الشرق. ولكن الشرق كانت فيه عقبات سياسية، إذ لم يكن بإمكان أي مدينة إغريقية باحثة عن المستوطنات الجديدة أن تجازف وحدها بمواجهة القوى البرية الكبرى القائمة هناك. لذلك تحول اتجاه الاستيطان نحو الشمال مبتعداً عن ساحل بلاد الشام. فاستقر بعض الإغريق في أشباه جزر شمال بحر إيجة حيث طردوا من بقي من شعوب الـPelasgoi أو استعبدوها، بينما أبحر آخرون عبر مضيق الدردنيل إلى البحر الأسود، الذي كان البقعة المفضلة لموجة ثانية من الاستيطان الإغريقي، أتت بعد قرن واحد من الموجة الأولى تقريباً. وفي عام 500 ق.م صارت هناك سلسلة من المدن الإغريقية تحيط بالبحر الأسود كله، كانت بعضها تصلح للزراعة، إلا أنها اهتمت بالتجارة أكثر من المستوطنات الغربية، وقد ساهمت كثيراً في تنشيط الأعمال التجارية في بحر إيجة. أما في الشمال منها فكانت تعيش شعوب بربرية بالمعنى الحديث للكلمة، منها السقيتيون وهم بالأصل شعب بدوي يمارس الزراعة في القرن السادس في السهول الواقعة بين نهري الدون والدانوب. وفي الغرب أيضاً واجه الإغريق في تراقيا شعوباً جبلية أكثر بربرية وشراسة.
* Beowulf
* قلعة أو قمة محصنة تشرف على المدينة
* أحد آلهة المثلث الهندي إله الدمار والخراب – المنجد في الأعلام
* أحد آلهة المثلث الهندي إله الدمار والخراب- المنجد في الأعلام
* أرخبيل إسباني في غرب المتوسط شرقي خليج بلنسية
* تدل هذه التسمية اليوم على المستبد أو الطاغية - المترجم
* ومعناها الحديث هو الأحمق