إذا نظرت إلى العالم في عام 1000 ق.م ، وهو تاريخ اعتباطي، وجدت أن الحضارة كانت قد ترسخت فيه إلى الشرق من الهلال الخصيب ومصر، فكانت كل من الهند والصين قد طورت لنفسها أنماطاً متميزة من الحياة المتحضرة، ومختلفة تماماً عن تلك الحضارات الأسبق الواقعة إلى الغرب منها، ولو حصلت اتصالات سطحية بها. وكانت الثقافات الأصلية في الصين والهند قد خلقت فيهما طرقاً في التفكير والسلوك متميزة تماماً وممتدة على رقعة شاسعة من الأرض. وكان هذان البلدان هما قلبا المنطقتين الجغرافيتين (ثم الثقافيتين) الأساسيتين اللتين تقسمان آسيا إلى الشرق من أفغانستان ومرتفعات إيران وجنوب سيبيريا. فالمنطقة الهندية تحدها جبال الهيمالايا وسلاسل الجبال المجاورة لها، أي مرتفعات بورما وسيام* وسواحل أرخبيل اندونيسيا. أما المنطقة الأساسية الثانية في شرق آسيا فهي تتكون من أرض الصين الكبيرة، ولكنها تشمل أيضاً كوريا واليابان والهند الصينية. وطوال القسم الأكبر من الأزمنة التاريخية كانت الحضارات التي تظهر في الهند والصين تنزع إلى السيطرة على هذين الجزئين الكبيرين من آسيا، وهما منطقتان متنوعتان تنوعاً كبيراً من حيث طبيعة الأرض والمناخ الجغرافية، وتضمان أكبر أنهار العالم، مثل الهندوس**والغانح والبرهمابترا والميكونغ واليانغ تسي كيانغ والنهر الأصفر وجميعها تصرف كميات هائلة من المياه من مرتفعات آسيا الداخلية، وقد كان وادياً اثنين من هذه الأنهر موقعين لأول أشكال الحياة المتحضرة في آسيا
خارطة الهند والصين وأندونيسيا ودول شرق آسيا
وإذا نظرت إلى شبه القارة الهندية نظرة أقرب وجدتها تعادل أوربا في الحجم تقريباً، وقد بقيت معزولة لزمن طويل بسبب جغرافيتها، فلم تُغْزَ إلا نادراً من خلال ممرات الشمال الغربي، وذلك حتى القرن السادس عشر. إن جبال هذه المنطقة –خاصة منها الأبعد نحو الشمال- هي من أعلى الجبال في العالم، وإلى الشمال الشرقي تمتد الأدغال. أما الضلعان الآخران لشبه القارة الهندية فهما يطلان على المحيط الهندي الواسع. وقد منحتها هذه الجغرافية مناخاً متميزاً ومتنوعاً جداً ولكنه استوائي، فالجبال الشمالية تصد الرياح الجليدية القاسية الآتية من آسيا الوسطى، ولو أن شمال الهند قد يكون أحياناً قارص البرودة في الشتاء، بينما تجد السواحل الطويلة مفتوحة أمام الغيوم المحملة بالمطر، والتي تجري إليها من المحيط لتروي سهول الشمال الجافة بأمطارها الموسمية السنوية. ويحدد هذا الترتيب ساعة الهند المناخية وبالتالي الزراعية، فيأتي بالمطر خلال أكثر شهور السنة حرارة، ويؤمن لمرتفعات الدكن الجنوبية غطاء من الغابات الكثيفة، ويبدو أن الزراعة قد ترسخت أول ما ترسخت في سهول نهر الهندوس الغرينية في الشمال الغربي.
أما منطقة الصين الثقافية فهي أكبر حتى من هذه، وهي أكبر من الولايات المتحدة، إذ أن بين بكين وهونغ وكونغ إلى الجنوب حوالي 1200 ميل* في خط مستقيم. وتضم هذه الأرض الشاسعة مناخات كثيرة ومناطق كثيرة، ففي الصيف يكون الشمال حارقاً وجافاً بينما يكون الجنوب رطباً ومعرضاً للفيضانات، ويبدو الشمال عارياً ومغبراً في الشتاء بينما يبقى الجنوب أخضر على الدوام. وكانت الحضارة في الصين تنزع دوماً إلى الانتشار من الشمال إلى الجنوب، وإلى التأثر بتيارات آتية من منغوليا وآسيا الوسطى. وينقسم هذا البلد الكبير إلى ثلاثة أقسام طبوغرافية أساسية تحددها وديان ثلاثة أنها كبرى تصرف القسم الداخلي من البلاد، وتجري عبرها من الغرب نحو الشرق تقريباً. هذه الأنهار هي من الشمال إلى الجنوب: الهوانغ هو أو النهر الأصفر، واليانغ تسي كيانغ، والسيكيانغ، ولم تساعد هذه الأنهار في ربط الصين بالعالم الخارجي إلى أن جاء الأوروبيون، لذلك بقيت الصين زمناً طويلاً منعزلة مثلها مثل الهند. وتغطي الجبال قسماً كبيراً منها، ومازالت حدودها تمتد بلا انتظام عبر سلاسل كبيرة من الجبال والمرتفعات وعلى امتدادها، إلى في أقصى الجنوب والشمال الشرقي. وتقع منابع نهر اليانغ تسي كيانغ مثل منابع الميكونغ في مرتفعات كون لون شمالي التيبت. وإن هذه الحدود الجبلية هي عوامل عزل كبيرة، وهي تشكل قوساً لا يقطعها إلا جريان النهر الأصفر نحو الجنوب آتياً إلى الصين من وسط منغوليا.
* تايلاند اليوم
** السند
* 1900 كم تقريباً