كان عدد سكان العالم في عام 1900 حوالي 1.600 مليون نسمة، ثم أصبح حوالي 2.500 مليون في عام 1950. وبينما يكتب الكاتب هذه الكلمات عام 1993 تجاوز عددهم 5.000 مليون. لقد ازداد هذا العدد بمقدار 1.000 مليون، خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، وقد يبلغ العدد الكلي مايقرب من 6.000 مليون أو أقل بقليل قبل نهاية القرن العشرين، وهذا واحد من أفضل الأمثلة عن التغير المتسارع.
لقد أصبح نمو السكان اليوم أسرع بكثير جداً مما كان عليه في الماضي، وسبب هذا الأمر مخاوف واسعة، فصار البعض يخشون حدوث كوارث من النوع الذي تنبأ به مالتوس، مثلما كان الأمر عند بداية القرن. وإن سوء استخدام البيئة والازدحام والتنافس على الموارد تدل كلا على نمو غير متساو أبداً بين الدول والشعوب المختلفة، ويبدو أنه سوف يستمر على هذا النحو.
تحاول بعض المجتمعات اليوم أن تتحكم بشكلها وحجمها، ولكن هذا الأمر غير مضمون، كما أن الكثير من البلاد الفقيرة لن تقدر لزمن طويل أن تبطئ نمو سكانها بشكل كبير، ولم يبدأ معدل الولادات بالهبوط في القرن الماضي إلا في بلاد قليلة، وقد حدث هذا بعد أن ارتفع مستوى المعيشة فيها فمال الناس للعائلات الأصغر.
وإن تقدم الطب والتغذية والصحة سوف يجعل الأمور أسوأ لفترة ما، لأنه سوف يبقي على الرضع والمرضى والمسنين الذين كانوا يموتون في الأزمنة الماضية بينما صاروا ينجون، فتزداد أعدادهم وتزداد مشاركتهم في موارد تنمو بصورة أبطأ من نمو عدد السكان. وسوف يظهر فوق هذا تأثير انخفاض معدل الوفيات في العالم، كما ظهر في أوروبا بين عامي 1800-1900 وعندما يحدث ذلك سوف يرتفع عدد السكان بسرعة أكبر أيضاً.
إن بعض نتائج هذه التغيرات باتت واضحة منذ الآن، إذ لم تعد المجتمعات المتطورة بشكل أهرام، بل صارت أشبه بعواميد تستدق نحو الأعلى، لأن نسبة الأشخاص الأكبر سناً هي أكبر بكثير مما كانت عليه قبل قرن مضى. أما في البلاد الأفقر فالعكس هو الصحيح، لأنه فيها عادة نسبة غالبة من الأشخاص الأصغر سناً.
إن ثلثي سكان الصين تحت سن الثالثة والثلاثين، وتبلغ معدلات النمو أرقاماً مخيفة في دول كثيرة، فقد ارتفع عدد سكان المكسيك أربعة أمثال بين عامي 1900 و 1975، بينما ارتفع عدد سكان البرازيل ستة أمثال. وقليلة هي الدول النامية التي نجحت إلى حد ما في إبطاء معدل نمو السكان فيها أو كبحه. إن طرح تقاليد الماضي أمر صعب جداً، خاصة عندما يتعلق الأمر بشيء يهم الفرد إلى حد كبير مثل النشاط الجنسي.
لطالما كانت قوة الدول مرتبطة بعدد سكانها ولو مع بعض التحفظات، ومن المفيد أن نقارن الدول المستقلة العشر الأكثر سكاناً في عامي 1900 و 1990، وإن كانت الأرقام تقريبية:
مقارنة لأعداد السكان بين عامي 1900-1990 بالملايين
1900
1990
الصين
475
الصين
1.200
روسيا
133
الهند
800
الولايات المتحدة
76
الاتحاد السوفييتي
290
الدولة النمساوية الهنغارية
46
الولايات المتحدة
248
اليابان
45
إندونيسيا
180
ألمانيا
43
البرازيل
150
المملكة المتحدة
42
اليابان
125
فرنسا
41
الباكستان
108
إيطاليا
34
نيجيريا
105
الإمبراطورية العثمانية
25
بنغلاديش
105
يبين هذا الجدول بعض التغيرات النسبية المدهشة. وتحتوي كل من هاتين القائمتين على أقوى ثلاث دول في العالم في أيامها، مهما كانت معايير القوة التي نختارها. إلا أن عدد السكان وحده لم تعد له اليوم الأهمية التي كانت له في عام 1900.
إن الصين هي بالتأكيد قوة عظمى، ويبدو أنها سوف تظل كذلك بفضل عدد سكانها وحده لأنه يجعلها لاتقهر عسكرياً، كما أن ثورتها الاجتماعية قد بدأت بزيادة ثروتها أيضاً. أما في غيرها من الدول المزدحمة بالسكان فمازال الفقر يبدو عقبة لاسبيل لتجاوزها، سواء أكان فقراً مطلقاً أي أن الموارد الطبيعية ضئيلة كما في بنغلاديش أو نسبياً أي أن زيادة عدد السكان تبتلعها لأنها أسرع منها كما كان الحال في إندونيسيا حتى وقت قريب.
في أوائل السبعينيات كان يعتقد أن الهند باتت على أبواب الاكتفاء الذاتي في الغذاء، لأن إنتاجها الزراعي تضاعف بمقدار مثلين بين عامي 1948 و 1973، إلا أن هذه الزيادة بالكاد استطاعت أن تجاري نمو عدد السكان، الذي بلغ مليون نسمة في الشهر الواحد.