في عام 1933 استلمت الحركة النازية التي كانت صغيرة في الماضي زمام الأمور في ألمانيا، وكان هذا أهم تغير سياسي في أوروبا منذ عام 1918 وفي عام 1929 بينما أخذت الأجواء الاقتصادية تضطرب، باتت جمهورية فايمار في مهب الريح، وسرعان ما تحولت العاصفة إلى إعصار بلغ أشده في عام 1932 عندما وصل عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا إلى ستة ملايين شخص، وصار الناس يخشون حدوث تضخم مثل الذي قضى على مدخراتهم قبل عشر سنوات.
وقد حصد هتلر والنازيون الفوائد السياسية لتلك التطورات، فكانوا يجتذبون الألمان الكثيرين الراغبين باتخاذ إجراءات صارمة وبالوحدة الوطنية، واستغلوا نفاذ صبر الناس بالسياسيين البرلمانيين الذين عجزوا عن منع الكارثة الاقتصادية، والرغبة بإيجاد كبش فداء، والحقد على تسوية فرساي التي كان الكثيرون من الألمان يعتقدون أنها أساس مشاكلهم وأنها أيضاً غاشمة بحقهم.
ومع تفاقم الأزمة ازدادت أعداد قوات العاصفة ازدياداً سريعاً، وهي تنظيمات شبه عسكرية للحركة النازية شكلت بالأصل من أجل حماية اجتماعاتهم، ولكنها تحولت إلى عصابات من قطاع الطرق الذين يتشاجرون في الشوارع مع أندادهم من الشيوعيين، وسرعان ما راحوا يرهبون خصومهم السياسيين مثلما فعل الفاشيون الإيطاليون في البداية واليهود أيضاً من دون أن تتدخل الشرطة.
في عام 1930 كسب النازيون 107 مقاعد في البرلمان، أي أقل بقليل من خمس العدد الكامل، فتحولوا بذلك إلى قوة سياسية كبرى، وفي تموز/يوليو 1932 أصبحوا في الانتخابات الجديدة أكبر حزب في البرلمان، فقرر رئيس الجمهورية المارشال هندنبرغ ضرورة منح زعيمهم الفرصة لكي يبين ما إذا كان قادراً على مشاكل البلاد. فطلب من هتلر أن يصبح مستشاراً، أي رئيساً للحكومة.
وفي 30 كانون الثاني/يناير 1933، استلم هتلر منصبه وطلب عقد انتخابات جديدة، وكان هذا من حقه، كما وعد بائتلاف مكون من الجماعات المحافظة، وقد كتب لوندورف أعظم العسكريين الألمان في الحرب العالمية الأولى إلى هندنبرغ يدين عمله هذا ويتنبأ للبلاد بكارثة وطنية.
الثورة النازية
كان عمل هندنبرغ عملاً شرعياً تماماً، واستمر استلام النازيين للسلطة بأساليب دستورية، لقد حذرت صحيفة حزبهم ألمانيا من أنهم إذا حصلوا على مايريدون فإن الانتخابات القادمة ستكون آخر انتخابات في البلاد، ومابرحوا يعملون لكسبها. ولما كانوا هم الحكومة فقد كانوا يسيطرون على الإذاعة ويستخدمونها لدفع حملتهم.
وكانت الشرطة تغض الطرف عن الأعمال التي يقومون بها من إرهاب لخصومهم وضربهم جسدياً، وراح هتلر يتنقل بين أنحاء ألمانيا في طيارة كأسلوب جديد من الدعاية السياسية التي مكنته من الاستفادة القصوى من شخصيته الخلابة.
ولكن رغم أن سبعة عشر مليون شخص صوتوا للنازيين أي حوالي 44% من أصوات الناخبين فإنهم لم يحصلوا على أكثرية من المقاعد أو الأصوات. إلا أن هتلر طلب من البرلمان، حيث كانت له تحالفات متينة مع جماعات أخرى، سلطات استثنائية للحكم بقرار، وقد حصل عليها في آذار/مارس 1933، واستطاع النازيون عندئذٍ بدء ثورتهم مسلحين بهذه السلطات.
وسرعان ما أزاحوا حلفاءهم المؤقتين من الحكومة، وكانوا قد سجنوا النواب الشيوعيين وحلوا الحزبين الشيوعي والديمقراطي الاجتماعي، فأصبح الحزب النازي هو الوحيد المسموح به. ومنعت الإضرابات وحلت النقابات المهنية وحصلت الآلاف من الاعتقالات والمئات من جرائم القتل السياسية، وتزعزعت الحياة في ألمانيا من رأسها إلى قدميها، وانتهكت الكنائس واضطهد أصحاب المهن العملية وطهرت الجامعات، وحتى منظمة الكشافة تم منعها كما في روسيا، أما القوة المحافظة الوحيدة التي كان يخشاها هتلر، أي الجيش الألماني الذي كان وحده قادراً على التصدي لقوات العاصفة، فسرعان ما رضخ هو الآخر وحول ولاءه إلى هتلر، وقدم له قسم ولاء خاصة بعد موت هندنبرغ عام 1934.
كانت الدعاية السياسية تصور ألمانيا بصورة بلد جديد ذي شعب موحد وديناميكي، ولكن النازيين لم ينجزوا شيئاً هاماً في الشؤون الداخلية، ولم يستمر شيء مما حققوه زمناً طويلاً. لقد كان هناك برنامج أشغال عامة ابتدأ قبل أن يستلم هتلر السلطة، فتابعه النازيون وكثفوا العمل به بحيث هبطت أرقام البطالة حوالي 40% خلال سنة واحدة، إلا أن التعافي الاقتصادي بلغ ذروته في عام 1936 ولم ترتفع الدخول الحقيقية بعد ذلك.
وكان إعادة التسليح تشكل أولوية عليا لدى هتلر، وقد امتصت الأرباح التي كانت ستذهب للمستهلك ومع هذا بقي النظام في السلطة وظل يحكم البلاد تحت إجراءات الطوارئ لعام 1933.
وكانت أسباب هذه الثورة معقدة، منها سبب نفسي هو أن هتلر أعاد للألمان شعورهم بكبريائهم، كما أنه أتى بسلسلة من النجاحات في الشؤون الخارجية لاغبار عليها. أما أتباعه فقد منحتهم الحركة شعوراً بالمكانة، مع أن زعماءها كانوا بالإجمال من الصنف الرديء، واستمد النازيون قوتهم أيضاً من سياستهم العرقية المقيتة، التي كانت موجهة في البداية ضد اليهود ثم توسعت لتشمل غيرهم فيما بعد.
لقد كان هتلر يبغض اليهود ويتهمهم بتلويث الطهارة العرقية للألمان، ومنذ عام 1935 بدأت القوانين الجديدة تحرمهم من حقوقهم القانونية والمدنية التي كانوا يتمتعون بها منذ بداية القرن التاسع عشر، وكانوا يخضعون لإرهاب وحشي وتنتزع منهم ممتلكاتهم، وكانت بيوتهم ومحلاتهم وكنسهم تنتهك وتنهب. وكانوا أبرز ضحية لهذا النظام الذي كان الإرهاب فيه يلعب دوراً أكبر فأكبر بدعم صارخ من الشرطة السرية، الغستابو وفي عام 1939 لم يعد في ألمانيا حرية صحافة لا حرية كلام ولا حرية برلمان، وأضحى الاقتصاد يدار بالقوة من أجل تأديب العمال وكبح أجورهم.
صورة للرئيس هندنبرغ بعد أن عين هتلر رئيسا للوزراء 1933