كانت هناك في عام 1800 إمبراطوريتان كبيرتان في مرحلتين مختلفتين من الانحلال، وكانتا تواجهان من دون أنت علما قرناً كاملاً من الذل والمهانة على أيدي الشعوب البيضاء، إحدى هاتين الإمبراطوريتين هي الصين، التي تقول الرواية الشهيرة أن نابوليون وصفها بأنها عملاق نائم فلا توقظوه. ولكن بعد سنوات طويلة من موت نابليون راح الأوروبيون يوقظون هذا العملاق من دون أن يروا خطراً في تجاهل نصيحته تلك.
كانت قوة المنشو قد تقوضت في الداخل وضعفت في الخارج عن أيامها العظيمة في بداية القرن الثامن عشر ومع هذا فقد صرف مسؤولوها في عام 1793 مبعوثاً بريطانياً وحملوه رسالة متعالية إلى حاكمه الملك جورج الثالث فيما سموه "جزيرتكم النائية الموحشة، المعزولة عن العالم ببحار ممتدة تحول دونها". وكان هذا الموقف متفقاً تماماً مع نظرتهم الأزلية إلى العالم الخارجي، إذ كانت الصين مركز الحضارة والمملكة الوسطى المحاطة بشعوب تابعة لها وخاضعة لنفوذ حضارتها كأهل التبت وفيتنام وكوريا مثلاً أما وراء هؤلاء فبرابرة دونيون لا شأن لهم.
إلا أن المنشو كانوا في ذلك الحين قد تجاوزوا ذروة قوتهم، كانت الثورات الكبيرة قد بدأت تمزق السلام الداخلي الطويل، وهذه هي العلامة التقليدية الدالة على انحلال السلطة الإمبراطورية.
إن الارتفاع الكبير في عدد السكان منذ منتصف القرن السابع عشر فقد وصل به إلى أكثر بكثير من مثلين خلال القرن ونصف القرن التاليين حتى بلغ في عام 1800 ثلاثمائة وثلاثين مليوناً. وكانت هذه الزيادة أكبر من قدرة الزراعة في الصين، فكانت كل الأراضي القابلة للزراعة مستخدمة تقريباً، وحتى أشق الجهود لم تكن بقادرة على زرع محاصيل أكبر بالمعرفة والتقنية المتوفرتين.
وإن الاضطرابات الكبيرة التي سببتها الثورات كنت تعبر عن معاناة رعايا الإمبراطورية، وكانت الجمعيات السرية والفرق الدينية تستغلها لإذكاء الحق القديم ضد السلالة، ولاننس أن المنشو كانوا أجانب وكانت المظالم الشعبية تزداد قسوة وشراسة بعد عام 1800 لأن التضخم كان قد بدأ برفع الأسعار.
كانت السلالات السابقة تستمر أحياناً قروناً طويلة، رغم الأزمنة العصيبة التي تمر بها، وقد استمرت سلالة التشنغ المنشو في النهاية حتى عام 1911، ولكنها واجهت في الخارج خطراً جديداً لاسابق له. لم تكن المشاكل التي يسببها البرابرة الآتون عادة من آسيا الوسطى بالجديدة، بل إنهم قد أطاحوا في بعض الأحيان بسلالات قبل التشنغ. ولكن الأمر كان ينتهي دوماً بالاندماج الثقافي لأولئك البرابرة، فبعد كل غزو جديد كانت الإدارة الإمبراطورية تظل في أيدي طبقة النبلاء الأدباء المتدربين على التقاليد الكونفوشية، ولم يكن الشعب يتأثر بتبدل الحكام. ثم كان البرابرة يتصينون بتأثير تلك الحضارة الأعلى التي سيطروا عليها.
أما في القرن التاسع عشر فقد واجهت الصين للمرة الأولى برابرة لن تبهرهم حضارتها بل سوف ينظرون إليها بازدراء، ولم يكن الصينيون يميزون بين البيض بل كانوا يسمونهم كلهم feringhi وهو الشكل الذي تحولت إليه عندهم كلمة franks*. بل إن الأوروبيون هم الذين سوف يحاولون بث أفكارهم في حياة الصينيين وفي حكامهم، وكثيراً ماكانوا يفعلون ذلك بأساليب عسكرية وسياسية
فتح الصين على الغرب
لقد أتى هذا الخطر الجديد على الصين بأسرع مما كان متوقعاً منذ القرن السادس عشر، لم يكن ميزان التجارة بين الصين وأوروبا لمصلحة الأوروبيين، إذ لم يكن لدى أوروبا بضائع كثيرة يرغب بها الصينيون. لهذا كان التجار الأوروبيون في الصين مضطرين لتسديد أثمار مشترياتهم بشكل فضة، لأنها كانت أساس العملة في الصين. ولم يكن لديهم بضائع يبيعونها بالمقابل.
فكانت الشركة البريطانية للهند الشرقية مثلاً مضطرة لشحن سبائك الفضة إلى الشرق من أجل دفع ثمن الشاي وغيره من البضائع التي كانت تحملها سفنها في كانتون في القرن الثامن عشر، إلا أن هذا الوضع تغير في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، بل إنه تغير بسرعة كبيرة.
إن الأفيون دواء مخدر يصنع من نبات الخشخاش وله تاريخ طويل في تسكين الألم، ولكنه مرغوب جداً لأسباب أخرى أيضاً، إذ يبدو أنه يجعل الحياة ألطف بأن يزيل منها المتاعب والهموم، ولهذا الغرض كان يستخدمه بعض الناس كما يستخدم غيرهم الكحول، وهو دواء آخر مرغوب له بعض الاستخدامات المشابهة. ولكن التشابه بين الاثنين ليس كاملاً، لأن الكحول قد يجعل المرء يبدي المزيد من الإثارة والصخب، بينما يعطي الأفيون شعوراً بالاطمئنان المترافق بتبلد الحس والنعاس الذي ينتهي بالنوم والأحلام السعيدة.
ويمكن تناول الأفيون ومشتقاته بأشكال كثيرة، من أكثرها شيوعاً استنشاق دخانه من غليون مثل غليون التبغ، وهكذا كان الصينيون في الجنوب يتناولونه، وسرعان ما صار لديهم هوس به، فوجد البريطانيون في الأفيون أخيراً بضاعة يرغب بها الصينيون ويمكن زراعتها في الهند.
إن الأفيون يسبب الإدمان مثل الكثير من الأدوية المخدرة، أي أن المرء يصبح معتمداً عليه فيخرج عن القواعد المألوفة للحياة الاجتماعية من أجل أن يشبع توقه إليه، والأنكى من ذلك أن التأثيرات الخاصة بهذا الدواء، أي تسببه بالبلادة واللامبالاة بالمستقبل واللامسؤولية كانت كلها صفات يكرهها المسؤولون الصينيون كرهاً شديداً. لذلك حظر مسؤولوا المنشو استيراد هذا المخدر، وكانت له في نظرهم سيئة أخرى هي أنه قد يجعل الصين معتمدة على الأجانب لأنه يأتيها من الخارج، وعندما فرض الحظر صودرت شحنات من الأفيون وأتلفت، وهكذا بدأ استيقاظ الصين.
لقد احتج التجار البريطانيون احتجاجاً عنيفاً إثر إحراق كمية كبيرة من الأفيون في عام 1839 في كانتون، وأخبرهم اللورد بالمرستن المسؤول عن الشؤون الخارجية في لندن جواباً منطقياً، هو أن حكومته لاتستطيع التدخل لمساعدة رعاياها في خرق قوانين البلد التي يطلبون المتاجرة فيها. ولكن المسؤولين البريطانيين في الصين كان لهم موقف مختلف من هذا الأمر، وسرعان ما ابتدؤوا عملياتهم العدوانية، وفشلت محاولات تسوية النزاع محلياً، فحدثت عمليات بحرية أكبر بكثير ونشب ماعرف باسم حرب الأفيون التي رست فيها قوات بريطانية لاحتلال عدد من الموانئ الجنوبية وغيرها من المواقع.
وضايقت بريطانيا الصين وفرضت عليها في عام 1842 معاهدة سلام تفتح بموجبها خمسة من موانئها للتجارة الخارجية، وتضع نسبة واحدة ثابتة من الضرائب على المستوردات، وتتنازل لها فيها عن هونغ كونغ، وكانت هذه كلها عمليات تدخل في سياستها الداخلية.
إن الإنكليز لايشعرون اليوم بالفخر من هذه الحادثة، ولكن الحضارة في ذلك الحين لم تكن تعين ملء الجيوب بالمال فقط، بل كان الغرض منها أيضاً التغلب على التخلف.وكان يراد من التجارة الحرة عدا عن خلق الازدهار الاقتصادي للطرفين أن تمكن المسيحية والحملات الإنسانية من تحسين ماكانوا يعتبرونه وحشية ذلك المجتمع الوثني، مثل إخضاعه للنساء واستمرار أساليب التعذيب فيه بتأييد القانون.
وخلال عشر سنوات كان الأمريكان والفرنسيون قد وقعوا هم أيضاً مع الإمبراطوريات معاهدات غير متكافئة كما سميت فيما بعد أكسبتهم حقوقاً في التجارة والتمثيل الدبلوماسي، ومنحتهم حماية قانونية خاصة لمواطنيهم، وسمحت في النهاية للمبشرين وقبلت بالتسامح نحو المسيحية. وهكذا بدأ في أربعينيات القرن التاسع عشر التقويض الواضح لسلطة الإمبراطورية ومكانتها، مع أن هذا الأمر لم يكن هدف الحكومات الأوروبية.
لقد أكرهت المعاهدات سلالة المنشو على الاعتراف بنهاية ذلك المبدأ الأزلي في علاقات الصين الخارجية الذي يعتبر جميع الشعوب الأجنبية شعوباً تابعة لها، وصارت الدبلوماسية الصينية الآن مضطرة لقبول الأفكار الغريبة عن سيادة الدول المنفردة. والأسوأ من هذا أن وصول التجار الأجانب والمبشرين المسيحيين بأعداد متزايدة وعدم إمكانية مثولهم أمام المحاكم الصينية كان دليلاً على أن الحكومة الإمبراطورية غير قادرة على مقاومة إرادة أولئك البرابرة الذين كانت تزدريهم من الناحية الرسمية.
كان المبشرون يعظون ويعلمون بأساليب تقوض التقاليد الكونفوشية والنظام الاجتماعي، ففكرة أن جميع البشر متساوون في نظر الله مثلاً كانت فكرة ثورية في الصين، كما أن المتنصرين على أيديهم راحوا يطلبون حماية القناصل والمحاكم الأوروبية، وكانوا يحاولون العيش في مناطق أوروبية لايستطيع المسؤولون الصينيون أن يضايقوهم فيها.
وعندما كان المبشرون يواجهون عداء شعبياً وكان هذا الأمر شائعاً، كان المسؤولون يتعرضون للضرر، لأنهم إذا حموهم فسوف يصبحون مكروهين من الشعب، وإذا لم يحموهم فقد يقتل بعضهم، ويرسل القنصل الأوروبي في طلب سفينة حربية أو جنود من أجل القبض على القتلة فتظهر الإدارة الإمبراطورية عندئذٍ بمظهر العاجزة عن حماية أهل البلاد من الأجانب.
لقد حدثت هذه الضغوط على خلقية من الضيق الاجتماعي المتفاقم والخطر المتزايد من الثورة، ولكن المنشو ومسؤوليهم لزمهم وقت طويل لكي يعترفوا بأن إمبراطوريتهم تقترب من أزمة قد تنتهي بالقضاء عليها. وكان بعضهم يرون تقديم بعض التنازلات للأجانب، ولكن جميع المسؤولين تقريباً كانوا يشعرون أن هذه ليست أول مرة تتعرض فيها الصين للمصاعب، وأنها قد تجاوزتها في كل مرة واجهتها في الماضي.
كان آخر غزو للأفكار الأجنبية قد أتى من البوذية، وقد تم استيعابه بنجاح في النهاية، وكانوا واثقين من أن تفوق ثقافتهم سوف يعيد للصين مكانتها التي تستحقها في العالم، مهما بدت الأمور سيئة.
وكان البعض يرغبون بأن يتعلموا من البرابرة بعض أسرار سفنهم البخارية ومدافعهم لكي تستطيع الإمبراطورية استخدامها، ولكن حتى الصينيون المتعلمون لم يكونوا يعتقدون بضرورة تبديل الأساليب التقليدية أو التخلي عنها، ولم يدركوا أنهم كانوا بحاجة إلى أفكار جديدة تماماً إذا شاءت إمبراطوريتهم أن تنجو وتستمر.
التنازلات والتراجع
إن هذه المواقف قد جعلت من الصعب جداً على الصين أن ترد بفعالية على تأثير الحضارة الأوروبية، كان من استجاباتها أنها استعارت الآلات واستخدمت القادة العسكريين الأوروبيين ولكن بفتور، مثلما استخدمت السلالات السابقة قادة برابرة من صحارى آسيا الوسطى وفي ستينيات القرن التاسع عشر، استخدم الأوروبيون للمساعدة العسكرية في السيطرة على واحدة من أكبر ثورات القرن، أي ثورة تاينغ، التي استعرت من عام 1850-1864.
لقد بدأت هذه الثورة بصورة محلية تحت زعامة قائد بين أنه قادر على كسب نفوذ واسع، وكان يدين في بعض أفكاره إلى المبشرين الأمريكان، فكان ينادي بنوع من الشيوعية المسيحية، وقد سحقت هذه الثورة في النهاية، ولكن بعد أن أكره التشنغ على تقديم المزيد من التنازلات الدبلوماسية والتجارية للأجانب من أجل كسب الوقت وكسب دعمهم أيضاً في مواجهة الثورة، ولم يكن قمعها سهلاً حتى مع المساعدات الأجنبية،إذ يبدو أنها كلفت ما يقرب من عشرين مليون نسمة.
في خضم اضطرابات ثورة تاينغ حصل غزو إنكليزي فرنسي بين عامي 1857-1860 وأدى إلى احتلال بكين وسلب القصر الصيفي وإحراقه قبل أن تنتزع معاهدات جديدة المزيد من التنازلات المذلة من الصين، ففي عام 1858 أعطيت أراضيها الواقعة إلى الشمال من نهر أمور إلى روسيا، ثم سلمت لها شبه جزيرة أوسوري بعد سنتين وعليها سوف يبنى الروس مدينة فلاديفوستوك، كما تنازلت الصين أيضاً عن أراضي واسعة لروسيا في آسيا الوسطى وراء مقاطعة سين كيانغ.
ولم يكن جشع روسيا هذا بالأمر الغريب، إذ كانت لها أطول حدود برية مع الصين وكانت تندفع في آسيا الوسطى منذ عقود عديدة قبل ذلك وعلى نهر الأمور أيضاً منذ أيام بطرس الأكبر، ولكن دولاً أوروبية أخرى كانت تنهش أراضي تدعي الصين السيادة عليها ولو أنها لم تحكمها بصورة مباشرة، فقد أخذ البريطانيون بورما، كما أخذ الفرنسيون جزءً كبيراً من الهند الصينية.
وقبل نهاية القرن كان الأوروبيون يعاودون الاستيلاء على الأراضي في الصين نفسها، وربما دفعهم ذلك إلى استيلاء اليابان على فورموزا (تايوان) وخوفهم من أن يسبقهم منافسوهم في هذا السباق إذا ما انهارت الصين انهياراً كاملاً.
فثبت الروس أقدامهم في بورت آثر، بينما أخذت إنكلترا وفرنسا وألمانيا مرافئ جديدة بشكل عقود إيجار طويلة الأمد، وحتى البرتغاليون، الذين كانوا في ماكاو منذ زمن أطول من أي دولة أوروبية في الصين، حولوا عقد إيجارهم القديم إلى ملكية مباشرة على زعمهم وفي خلفية هذه الصورة كانت هناك سلسلة متواصلة من التنازلات والقروض والتدخلات في الإدارة الصينية جعلت كلها الصين تبدو في الواقع بلداً تحت السيطرة الأجنبية، ولو أنها ظلت مستقلة من الناحية القانونية.
في عام 1900 كان الأوروبيون يتوقعون للصين أن تتمزق أو تنهار مثل الإمبراطورية العثمانية، ولم تبد في ذلك الحين عملاقاً يستيقظ بل خاضعة للقتل بطريقة الألف جرح، وهي طريقة مشهورة للتعذيب في الصين، إذ راحت القوى الضاربة الآتية من الغرب تنهش جسدها القطعة تلو الأخرى.
إلا أن بعض الصينيين كانوا مزمعين على عدم السماح لهذا الأمر بالحدوث ومنذ سبعينيات القرن التاسع عشر، تأسست جمعية التقوية الذاتية للنظر في الأفكار والاختراعات الغربية التي قد تكون فيها فائدة للبلاد وراح أفرادها يلفتون الانتباه إلى جهود بطرس الأكبر وإلى الجهود المعاصرة في تحديث مجتمع كونفوشي آخر، هو مجتمع اليابان. وأرسل الطلاب للمرة الأولى إلى الخارج بصورة رسمية للدراسة في أوروبا والولايات المتحدة، ولكن حتى أولئك الساعون للإصلاح كان من الصعب عليهم أن يتخيلوا جذوره في شيء غير التقاليد الكونفوشية.
الإصلاح والثورة
لقد ساءت الأمور عندما أصبح موضوع الإصلاح متداخلاً في سياسات البلاط، كان الإمبراطور قد ارتقى العرش طفلاً في عام 1875، وسرعان ما صار على خلاف مع الإمبراطورة الأرملة عند بداية حكمه الفعلي في عام 1889. وفي عام 1898 بدا أخيراً أن حزب الإصلاح قد بدأ يحرز بعض التقدم، وأصدر سيل من المراسيم والقوانين الإصلاحية فيما عرف بالمئة يوم من الإصلاح، ولكن الإمبراطورة حشدت دعم مسؤولي المنشو وجنودهم الذين باتت مناصبهم وامتيازاتهم في خطر، فقبضت على الإمبراطور وحبسته وأطاحت بالمصلحين.
وفي نفس الوقت تقريباً ظهرت في بعض المقاطعات علامات التأييد الشعبي للأساليب القديمة، بشكل اضطرابات أحدثتها وحدات ميليشيا خاضعة لنفوذ جمعية سرية واسعة تسمى جمعية القبضات المتناغمة، وكان أفرادها يسمون باختصار الملاكمين. وكان هؤلاء معادين للأجانب عداءً شديداً وعنيفاً، وراحوا يهاجمون الصينيين الذين اعتنقوا الديانة المسيحية وسرعان مابدؤوا يهاجمون المبشرين الأجانب أيضاً.
كان الملاكمون يحوزون سراً على تأييد مسؤولي المنشو والبلاط، الذين كانوا يأملون باستخدامهم ضد الأجانب، وعندما علت احتجاجات الدبلوماسيين ومطالبتهم بقمع الحكومة للملاكمين اندلعت ثورة شاملة حرضتها الإمبراطورة وعملاؤها. فاستولت القوات الأوروبية على حصون صينية من أجل أن تضمن الطريق إلى بكين، حيث كانت توجد جالية أجنبية كبيرة لابد من حمايتها.
وأعلنت الإمبراطورة الحرب على جميع القوى الأجنبية، فقتل الوزير الألماني في بكين ثم حوصرت المفوضيات فيها لأسابيع عديدة، وقتل في أماكن أخرى أكثر من مئتي شخص أجنبي أكثرهم من المبشرين.
ولكن العقاب كان سريعاً ومدمراً، فقد أرسلت بعثة دولية قاتلت حتى وصلت إلى بكين وفكت الحصار عن المفوضيات، واحتل الروس جنوب منشوريا وهرب أفراد البلاط إلى العاصمة، ولكنهم اضطروا بعد أشهر قليلة إلى القبول بشروط الأوروبيين، وهي:
معاقبة الموظفين المسؤولين عن هذه الأحداث، ودفع تعويض هائل، وتدمير الحصون تدميراً كاملاً، والقبول بوضع حاميات أجنبية على السكك الحديدية المؤدية إلى بكين، وتوسيع حي المفوضيات وتحصينه.
وهكذا فشلت انتفاضة الملاكمين، كما أنها ألحقت المزيد من الضرر بنظام المنشو المتقلقل أصلاً وأصبحت النظرة الداخلية الآن أكثر تزعزعاً من أي وقت مضى، وبدأ بعض الصينيين يفكرون بالثورة.
* أي الفرنج أو الإفرنج