وفي عام 1918 كانت الولايات المتحدة أغنى الدول المنتصرة في الحرب وأقواها، وبعد أربع عشر سنة فقط، كان ريع قوتها العاملة عاطلاً عن العمل، وكان إنتاجها الصناعي قد هبط إلى النصف تقريباً وصار البعض يعتقدون أن أمريكا باتت على طريق الثورة.
إن فورة الازدهار التي عرفتها بعد الحرب فضلاً عن عزلتها قد جعلناها غير مهيأة لأزمة كهذه، كانت الإدارات الجمهورية في العشرينيات تحكم البلاد من غير أن يؤرقها شيء إلى موضوع حظر المسكرات، وهي مشكلة نشأت في تعديل دستوري يمنع صنع المشروبات الكحولية وبيعها، وكانت له تأثيرات حادة الكثير منها مؤسفة، فقد شجع الجريمة المنظمة على دخول ميدان صنع المسكرات وبيعها بصورة غير شرعية، وكانت تلك ضربة للحياة المدنية وللأخلاق العامة يعتقد البعض أن تأثيراتها لم تمح بعد. ومن نتائجه الهامة أيضاً أنه قسم الحزب الديمقراطي فضمن للجمهوريين عهداً طويلاً من التفوق عليهم.
وفي عام 1928 استلم الرئاسة ثالث رئيس جمهوري جديد على التوالي، بينما كان الازدهار الاقتصادي يبدي علامات الوهن، وفي تشرين الأول/ أكتوبر من العام التالي حصل انهيار وول ستريت فاجتث جذور الثقة التي كانت عماد الاستثمار طوال عقد كامل. وفجأة تقلصت الدخول وانهارت الخدمات وتجارة المفرق، وحبست الرهون العقارية فحرم الراهنون من حق استرجاع العقارات المرهونة، وكثرت الإفلاسات ولم تعد المصارف قادرة على جمع الديون فأغلقت أبوابها تارك المودعين في حالة إفلاس، وهكذا بدأ الكساد الكبير، ودفع الحزب الجمهوري الثمن في الانتخابات الرئاسية لعام 1932.
العقد الجديد* The new deal
كان الرئيس فرانكلن روزفلت أول رئيس ديمقراطي منذ ولسن، وربما كان هو الذي أنقذ الديمقراطية في الولايات المتحدة، كان روزفلت سياسياً بارعاً، وقد حظي بدعم واسع وكسب 42 ولاية من أصل 48، لقد خلق ائتلافاً انتخابياً جديداً وحافظ على لم شمله، وكان مؤلفاً من أكثر الناس معاناة من الكساد، أي المزارعين والكاثوليك المتحدرين من أصول مهاجرة في الساحل الشرقي، والعمال الصناعيين ونقاباتهم، والسود، والطبقة الوسطى من البيض الليبراليين، وسوف يمنح هذا الائتلاف حزبه الغلبة في واشنطن حتى عام 1952.
إلا أن أعظم انتصارات روزفلت كانت انتصارات نفسية، لأن الملايين من الأمريكان كانوا يؤمنون أنه يهتم لأحوالهم وأن لديه الإرادة اللازمة لمعالجة مشاكل البلاد. وقد قال لهم في خطاب توليته منصبه: "أن الشيء الوحيد الذي علينا أن نخافه إنما هو الخوف نفسه"، فتدفقت على البيت الأبيض خلال أسبوع واحد نصف مليون رسالة شكر على رسالة الأمل هذه.
كان الكونغرس مقتنعاً بإصدار تشريعات لمعالجة أكثر المشاكل إلحاحاً، وقد أنهى قانون حظر المسكرات أيضاً فكان هذا أساس البرنامج الجديد الذي بدل تاريخ أمريكا، صحيح أنه لم يكن شاملاً بالقدر الذي كان منتقدوه يخشون ومؤيدوه يتمنون، إلا أنه رفع الإعانات التي تقدمها الدولة إلى مستوى جديد وأصلح النظام المصرفي وأنقذ الزراعة وأغدق الأموال الفيدرالية على الولايات والمناطق الفقيرة.
ورغم أنه لم يقدر على تخفيض البطالة عن 10% حتى عام 1941 فقد بين أن الديمقراطية الأمريكية قادرة على الاستجابة الفعالة في حالات الطوارئ، وكانت تلك دفعة قوية للديمقراطية لا في الولايات المتحدة وحدها بل في الخارج أيضاً. كما أنه قد حمى النظام الدستوري الأمريكي من أخطار أكبر قادمة كانت تلوح في الأفق، منذ عام 1939.
* التسمية الإنكليزية مستوحاة من الجدة وتساوي الفرص عند إعادة توزيع أوراق اللعب deal- قاموس ميريام- وبستر (المترجم)