الحروب الفونية
كانت قرطاجة بالأصل مدينة فينيقية، وكانت أغنى بكثير من صور وصيدون، كما أنها كانت قوة بحرية كبرى لها قواعدها في صقلية وسردينية. وكانت أحياناً تتحالف مع إغريق صقلية وأحياناً أخرى تحاربهم، ولكنها ظلت خطراً دائماً يهدد السهول الساحلية الغربية الغنية في إيطاليا وتجارة موانئها. ولقد حدثت في النهاية ثلاث حروب فونية والتسمية مشتقة من التسمية اللاتينية للفينيقيين، بين روما وقرطاجة. وانتهت الحرب الأولى في عام 241 ق.م بتخلي القرطاجيين عن صقلية بعد أكثر من عشرين عاماً من القتال، ولو أنه لم يكن قتالاً مستمراً كما استولى الرومان على كورسيكا وسردينية نتيجة لذلك، وأسسوا أول مقاطعة لهم في غرب صقلية أما بر إيطاليا فكان إما تحت حكمهم المباشر كجزء من الجمهورية أو متحالفاً معها عملياً. وكانت تلك أولى أراضي روما فيما وراء البحار. وليست الحروب دوماً أهم الأحداث عند رواية التاريخ، ولكن من المفيد في هذه الحالة أن نتمهل قليلاً عند الحروب الفونية، لأن أشياء كثيرة قد نجمت عنها، قبل الحرب الثانية التي بدأت في عام 218 ق.م كان القرطاجيون قد ثبتوا أقدامهم في إسبانيا واستقروا في قرطاجة الجديدة أي قرطاجنة الحالية وشعر الرومان بالخطر عندما امتدت سلطتهم حتى نهر الإبرو، وهاجم القرطاجيون واحدة من المدن القليلة التي بقيت مستقلة على ساحل إسبانيا، ثم سار جيش كامل لهم مع فيلته إلى إيطاليا بقيادة هنيبعل أعظم قادتهم. وهزم الرومان سلسلة من الهزائم المنكرة، فتخلى عنهم كثيرون من حلفائهم وانقلبوا إلى طرف أعدائهم، إلا أن الرومان صمدوا حتى استعادوا سيطرتهم في النهاية، وبعد أن قضى القرطاجيون اثنتي عشر سنة في إيطاليا عانوا من المجاعة وطردوا. وأعطى مجلس الشيوخ الروماني قائده الكفء سيبيو الإذن بالعبور إلى أفريقيا، حيث وقعت معركة زام في عام 202 ق.م التي قصمت ظهر المنافس الجدي الوحيد لروما في الغرب في واحدة من المعارك الحاسمة في التاريخ. واضطر القرطاجيون عندئذٍ لعقد سلام كان مقيداً لهم، إلا أن الكثيرين من الرومان بقوا يخشونهم بصورة عظيمة. ولم تنشأ الحرب الفونية الثالثة إلا بعد زمن طويل في عام 149 ق.م وقد انتهت بهزيمة القرطاجيين الكاملة، فدمرت مدينتهم وحرثت الأرض فوق موقعها.
الإمبراطورية القرطاجية في القرن الثالث قبل الميلاد باللون الأحمر
في ذلك الحين كانت الإمبراطورية الرومانية قد ولدت بالفعل ولو لم تولد بعد بالاسم، كانت الإطاحة بقرطاجة بمثابة نهاية سيراكوز، وهي آخر دولة إغريقية مستقلة في صقلية، لأنها تحالفت مرة أخرى مع القرطاجيين، فصارت صقلية كلها رومانية
الإمبراطورية القرطاجية في القرن الثالث قبل الميلاد باللون الأحمر
في ذلك الحين كانت الإمبراطورية الرومانية قد ولدت بالفعل ولو لم تولد بعد بالاسم، كانت الإطاحة بقرطاجة بمثابة نهاية سيراكوز، وهي آخر دولة إغريقية مستقلة في صقلية، لأنها تحالفت مرة أخرى مع القرطاجيين، فصارت صقلية كلها رومانية، كما تم غزو جنوب إسبانيا، وسرعان ما تدفق العبيد والذهب من صقلية إلى سردينية وإسبانيا ففتح عيون الرومان على غنائم الغزوات. أما في الشرق فكانت مقدونيا قد تحالفت مع قرطاجة لفترة من الزمن، وبذلك بدأت روما تتدخل في سياسة الإغريق، وفي عام 200 ق.م استنجدت أثينا ومملكة برغاما بصورة مباشرة بروما ضد مقدونيا والسلوقيين، وكان الرومان عندئذٍ مهيئين نفسياً لزيادة تدخلهم في الشرق. وكان القرن الثاني ق.م حاسماً، إذ أطيح بمقدونيا وتحولت المدن الإغريقية إلى مدن تابعة لروما، وورث آخر ملوك برغاما أرضه لروما في عام 133 ق.م. وأنشأت في نفس السنة مقاطعة جديدة اسمها مقاطعة آسيا، هي الطرف الغربي من الأناضول، وكان شمال إسبانيا قد فتح أيضاً، وبعده بقليل أخذ جنوب فرنسا أي غاليا. وفي القرن التالي تبعها شمال فرنسا ثم المزيد من الفتوحات في الشرق، وقد كانت هذه سلسلة مذهلة من النجاحات، ولم تقتصر فائدتها على روما ولا اقتصرت أضرارها على الشعوب المغزوة، بل أن الجمهورية نفسها قد تضررت منها أيضاً