إسبانيا
من أوائل الأعمال في الأدب الإسباني قصيدة طويلة عن بطل قومي يدعى السيد، والحقيقة أن قصة أمته، أي الأمة الإسبانية، قد أخذت منحى مختلفاً جداً عن بقية أمم أوروبا. ولم تتطور بنية الدولة في إسبانيا إلا ببطء شديد، فحتى في عام 1500 لم تكن بعد مملكة واحدة من الناحية القانونية، ولكنها تطورت بصورة سريعة وقوية على صعيد الشعور الشعبي، والسبب هو إسبانيا إنما صنعتها الحرب، أي حرب استعادتها للمسيحية.
وقد بقي ميزان القوى بين المسيحيين والمسلمين يتأرجح لردح من الزمن، ولكن التيار العام كان ضد العرب، لأنهم كانوا يواجهون في الوقت نفسه انقسامات داخلية، فيما بينهم في منتصف القرن الثاني عشر، كانت مدينة طليطلة، وهي مدينة عربية كبرى، قد صارت مسيحية من جديد، كما نشأت مملكة البرتغال المسيحية.
وفي منتصف القرن الثالث عشر سقطت اشبيلية بيد ملك قشتالة، بعد أن كانت مركزاً عظيماً للثقافة العربية، كما أخذت مملكة أراغون مدينة بلنسية العربية. وفي عام 1469 اقترن فرديناند ملك أراغون بإيزابيلا ملكة قشتالة، وعرفا في التاريخ الإسباني بالعاهلين الكاثوليكيين، وعلى عهدهما اكتملت استعادة إسبانيا وسقطت آخر معاقلها أي مدينة غرناطة الجميلة بيد الإسبان في عام 1492، وهكذا انتصر الصليب في إسبانيا.
وخلال سنوات قليلة تم طرد اليهود والموريسكو وهو الاسم الذي صار يطلق على العرب والبربر، فكان هذا دليلاً على ارتباط القومية الإسبانية بالديانة المسيحية وبالنقاوة الأيديولوجية بصورة أعمق وأوثق منها في أية أمة أخرى، وقد انتهى هذا الارتباط إلى نتائج مأساوية جمة.