إن هذه الروح العدوانية المندفعة التي كانت تفعل فعلها في بلاد الشام وإسبانيا كانت منتشرة أيضاً على الحدود الشرقية لأوروبا، ولكن الفرق أنها كانت هنا موجهة ضد شعوب مسيحية ومترافقة بحركات هجرة كبيرة تدعمها وتساندها. وتعود هذه القصة إلى أيام فتوحات شارلمان، فقد أمضى هذا الإمبراطور الشطر الأكبر من سنوات حكمه في الحملات العسكرية، وإنما كانت مكانته العظيمة معتمدة على التوسع الدائم، وكانت الفتوحات ضرورية من أجل ملء خزانة ماله ومن أجل توزيع الأراضي على نبلاء الإفرنج استرضاء لهم. لقد أخضعت بعض حروب شارلمان لسيطرته عدداً من الشعوب المسيحية المجاورة له، ولكن بعضها الآخر كان موجهاً ضد شعوب وثنية في بلاد أبعد. فقد كان السكسون يعيشون بين نهري الألب والراين ويشكلون خطراً على سيطرة الإفرنج في بافاريا وفريزيا، لذلك تمت هزيمتهم ثم تنصيرهم، فوصل هذا بالحدود الشرقية لألمانيا حتى نهر الألب، ثم كان هناك شعب الأفار الوثني الذي يعيش في سهل هنغاريا، وكانوا غزاة أشد بأساً وخطراً من السكسون ولكن هؤلاء أيضاً قد تم تركيعهم.
وقد تحول اندفاع الإفرنج إلى الشرق بين عامي 1100-1400 م إلى حركة هجرة كبيرة، فراح الألمان يستوطنون البلاد ويبنون المدن على الحدود مع بروسيا وبولندا مبدلين بذلك الخريطة العرقية والاقتصادية والثقافية هناك. كما تغلغلوا في أراضي السلافيين بصورة مطردة فابتدؤوا بذلك صراعاً بين السلاف والتوتون في أوروبا الشرقية استمر حتى القرن العشرين، ولعله لم يحسم بعد، إذ كان أحدث معالم هذا الصراع هو طرد أعداد هائلة من الألمان من الأراضي البولندية عند نهاية الحرب العالمية الثانية (حوالي سبعة ملايين شخص بين عام 1944-1952 م)، فكان هذا انعكاساً لتيار العصور الوسطى، عندما كان الألمان هم الذي يتقدمون ويفرضون مشيئتهم. وكان فرسان التوتون قد لعبوا دوراً هاماً في تقدم الألمان هذا، وهم عبارة عن تنظيم ديني مكون من مقاتلين يرتبطون بنذور مقدسة ويؤدون واجبهم المسيحي من على ظهور الخيل بقتل الوثنيين الكفار في بروسيا والبلطيق والسلافيين المسيحيين.