قبل أن نتحدث عن حكومات الصين في تلك الأزمنة الباكرة، يجب ألا يغيب عن بالنا أن حدودها تبقى تخمينية وأن سلطتها الفعلية ربما كانت أضيق وأضعف مما توحي به المعلومات المتوفرة. ولكن الصين ظلت على كل حال أكثر من أربعمائة سنة أي من عام 206 ق.م إلى 220م، تحت حكم أباطرة من سلالتين تحملان الاسم نفسه، هما سلالتا الهان. لقد توقف حكم سلالة الهان السابقة لفترة قصيرة من 9-23 م ولم تحل سلالة الهان اللاحقة محلها فوراً، ولكن يمكننا مع هذا اعتبار هاتين الحقبتين كياناً واحداً ، ولو أن بعض الأباطرة كانوا أكثر نشاطاً وفعالية من بعضهم الآخر. إن رسم حدود إمبراطورية الهان على الخريطة هو أمر تخميني جداً، ومن المؤكد أنهم لم يحققوا سيطرتهم على المنطقة كلها بل إنها كانت أضعف حتى من سلطة الرومان على إمبراطوريتهم في ذلك الحين. كما أن الحضارة الصينية لم تتخلل أرض الصين الحالية مثلما تخللت الحضارة الهلنستية أوروبا الغربية والمتوسط والشرق الأدنى، فلم يتم توحيد الكتابة الصينية حتى عهد التسين أي مباشرة قبل أزمنة الهان، وكان القسم الأكبر من المنطقة الخاضعة سياسياً للهان يعيش فيه مجتمع قبلي لم ”يتصيّن”، أي يكتسب نمط الحياة الصيني، إلا عدد قليل من زعمائه خاصة في الجنوب، ولم تكن هناك بعد روابط قوية على مستوى الحياة اليومية يمكنها أن تساهم في تعزيز النظام وتوطيده
إمبراطورية الهان
إلا أن أباطرة الهان قد تمكنوا من بسط ادعاءات الصين بالسيطرة السياسية على رقعة أوسع من أي سلالة قبلهم، وكانت إمبراطوريتهم في أكبر امتداد لها تعادل حجم الإمبراطورية الرومانية أقل من الناحية النظرية. وقد تميز الإمبراطور وو تي الإمبراطور العسكري الذي حكم بين 141-87 ق.م بكثرة ضمه للأراضي، فعلى عهده ضمت إلى الإمبراطورية مساحة كبيرة من آسيا الوسطى هي حوض نهر تاريم فضلاً عن جنوب منشوري، الواقعة شمالي السور العظيم، وقسم كبير من جنوب شرق ساحل الصين. لقد أخضعت أيضاً الشعوب التايلندية المقيمة في وادي نهر الميكونغ، كما قبلت أنام في فييتنام بسيادة الهان. وفي مرحلة لاحقة تم طرد شعوب مغولية تسمى الهسيونغ نو من شمال صحراء غوبي، فكانت تلك بداية مسير طويل لهم جعل منهم قوة لها وزنها في تاريخ العالم، وقد عرفوا باسم الهون.
لقد زاد هذا التوسع اتصالات الصين بالأجزاء الأخرى من العالم، ولكن اتصالها بمنطقة البحر المتوسط بقي اتصالاً غير مباشر، لأن أكثر تجارة الصين كانت عن طريق البر، وكانت أكثر بضائعها رواجاً هي الحرير، الذي كان تحمله القوافل إلى الغرب منذ حوالي عام 100 ق.م، على طول الطريق المسمى طريق الحرير عبر آسيا الوسطى. وربما كانت الاتصالات الجديدة بالخيالة البدو المقيمين في الصحارى هي سبب ظهور الأحصنة البرونزية الجميلة التي ابتدأ سبكها منذ أزمنة الهان.