لقد أتى أولئك المغول من آسيا الوسطى، وهي منطقة يمكننا أن نعرفها بأنها المنطقة القابلة للسكن من آسيا وغير الخاضعة بصورة فعلية لأي دولة كبيرة مثل الصين أو فارس، وغير المتأثرة كثيراً بأي من المراكز الكبرى للحضارة. والحقيقة أن امتداد آسيا الوسطى كان دائم التغير، ويمكننا أن نعرفها أيضاً بأنها القسم من آسيا المناسب لحياة البدو. وهي من الناحية الجغرافية بشكل ممر ضخم ومرتفع تحده من الشمال غابات سيبيريا، بينما يتكون جداره الجنوبي من الصحارى وسلاسل الجبال والهضاب الممتدة من بحر قزوين عبر شمال إيران، وأفغانستان حتى جبال هندوكوش والتبت. إن أكثر أراضي هذه المنطقة عبارة عن سهوب قاحلة، وشديدة البرد في الشتاء، ويفسر هذا الأمر انعزال شعوبها الطويل عن التأثيرات الخارجية إلى أن جاءت الحملات التبشيرية المسيحية ونصرتها، ومنذ ذلك الحين تمكن كل من البوذيين والمسلمين والمسيحيين من هداية بعضها إلى دياناتهم. وكانت الثروات التي تتراكم في هذه المنطقة تتجمع عادة في واحات يلتجئ إليها الناس، وكثيراً ما أثارت غيرة البدو وحسدهم، وكانت بعض أشهر تلك الواحات مثل سمرقند ومرو وبخارى محطات على طرق القوافل الممتدة من الصين إلى الغرب والتي تسمى طريق الحرير.
لقد تعلمت الشعوب البدوية المقيمة في تلك السهوب طريقة معينة في الحياة تناسب بيئتها هذه، ومع أنهم ظلوا أميين لزمن طويل فقد كانوا يتمتعون بمهارات كثيرة جعلت منهم أعداء مخيفين كثيراً ما لعبواً دوراً حاسماً في تاريخ العالم. وكان أي اختلال صغير في المناخ أو السياسة في الشرق يعني الحياة أو الموت بالنسبة لتلك الشعوب التي تعيش على المرعى، فيدفعها إلى التنقل والترحال ويجعلها تصطدم بالشعوب الواقعة إلى الجنوب والغرب منها، وعندما تحصل تحركات كهذه على مجال واسع فإنها تصنع التاريخ. من بين تلك الشعوب الشعب السقيتي الذي فتن الإغريق وضايق الفرس، وكان السقيتيون في بداية الحقبة المسيحية الحلقة الأخيرة من سلسلة طويلة من الشعوب، إذ كانت تدفعهم من الخلف شعوب أخرى ووراءها كان شعب الهسيونغ نو هم أجداد الهون، وهؤلاء أيضاً دفعهم إلى الغرب تدخل أباطرة الصين. كانت تحدث إذاً عملية هائلة من هجرات الشعوب، ففي القرن الرابع الميلادي كان الهون قد وصلوا غرباً حتى ما وراء بحر قزوين، وفي القرن التالي بلغوا أقصى بعد عن وطنهم، وبدا أن أوروبا الغربية قد تسقط بأيديهم إلى أن صدتهم معركة في مدينة تروا على نهر السين في فرنسا الحالية عام 451 م. وكانت هناك شعوب أخرى كثيرة لعبت دورها في هذه الهجرات الكبيرة منها الأفار والخزر والبشنيق والكومان، وكان لكل منها تأثيرها في تاريخ العالم في مرحلة ما من مراحله، ولكن الفروق بينها معقدة للغاية وقصتها طويلة ومشوشة لا يمكن تلخيصها هنا. إلا أن بينها شعباً واحداً يستحق اهتماماً خاصاً هو عشيرة كانت تعرف شغل الحديد، وكانوا عبيداً لشعب مغولي يسمى الجوان جوان، أو الأفار في أوروبا وهذه العشيرة هي الأتراك.