حتى الذين أسفوا على تلك التغيرات لم يكن بإمكانهم أن ينكروا أن الإمبراطورية كانت إنجازاً مدهشاً يحق للرومان أن يفتخروا به. فقد أمن الرومان حكماً منظماً وقانونياً لأوسع رقعة عرفها العالم حتى ذلك الزمان، وكانت تضم شعوباً سوداء وبيضاء وسمراء وكلها رومانية على قدم المساواة، كما ضمنوا لها نعم السلام والازدهار أيضاً، وهذه كلها إنجازات لا سابق لها، وهي أفضل حجة تسمح لنا أن نقول إن الرومان قد أتوا بأشياء عظيمة حقاً. من الناحية الملموسة خلفوا صروحاً وأبنية وأعمالاً هندسية كبيرة، وبعد قرون عديدة سوف يظن الناس أن آثارهم قد بناها عمالقة وسحرة في الماضي البعيد من شدة انبهارهم بها، كما أن أحد علماء الآثار الإنكليز في القرن السابع عشر قال إن آثار ستونهنج* هي معبد روماني، لأنهم وحدهم قادرون على الإتيان بشيء بهذه العظمة. وقد كان مخطئاً هو الآخر، ولكن هذه الأخطاء طبيعية ولها دلالات هامة. إن ما خلفه الرومان في القرميد والصخر والإسمنت كان باهراً ولا مثيل له في أوروبا الغربية، والكثير منه بني لأغراض عملية جداً. ولم يكون يجوز لفيلق ما أن يعسكر ولو لليلة واحدة إلا بعد أن يضع مخططاً جيداً لمعسكره ويحفر له الخنادق ويبني المتاريس للدفاع عنه، ولهذا اكتسب الجيش قدراً كبيرة من الخبرة في أمور المساحة والهندسة والبناء. إلا أن أكثر الأبنية الرومانية كانت في المدن، لأن الرومان كانوا يعيشون في حضارة مدنية، وفي كافة أنحاء الإمبراطورية كانت الأبنية والصروح العامة شواهد على ما يعتبرونه لائقاً بالحياة المتحضرة. ومن أجل تخديم تلك المدن بنوا طرقاً تربطها فيما بينها، وزودوها بمسارح الألعاب والحمامات ومصارف المياه والماء العذب لجعلها مريحة. وكانوا يحبون الفخامة والأبهة، ورغم أنهم صنعوا بعض الأشياء الفظة والغليظة، فقد كانوا أشخاصاً عمليين لذلك لم يبنوا أشياء بلا فائدة مثل الأهرام، ومع هذا كانت بعض مدافنهم فاخرة جداً، وبعد قرون عديدة سوف يصبح مدفن الإمبراطور هادريانس قلعة سان أنجلو.