في كانون الثاني (يناير) من عام 49 ق.م ضرب قيصر ضربته، لقد ادعى أنه يدافع عن الجمهورية ضد أعدائها، فعبر نهر الروبيكون وهو حدود مقاطعته وسار بجيشه إلى روما، وكان هذا عملاً غير شرعي. ثم راح يخوض الحملات طوال أربع سنوات في أفريقيا وإسبانيا ومصر مطارداً خصومه الذين كانت لهم جيوش في المقاطعات قد يستخدمونها ضده، لقد سحق المعارضة بالقوة ولكنه كسب أيضاً أعداء سابقين إلى جانبه عن طريق اتخاذ سبيل الحلم معهم بعد انتصاره عليهم. ونظم دعمه السياسي في مجلس الشيوخ بعناية فجعلوه ديكتاتوراً مدى الحياة، إلا أن بعض الرومان كانوا يخشون أن يعيد تأسيس الملكية فاجتمع عليه أعداؤه في النهاية واغتالوه في عام 44 ق.م.
وظلت الجمهورية موجودة من ناحية المظهر، ولكن التغيرات التي أجراها قيصر نحو مركزية السلطة بقيت على حالها، ولم يكن بالإمكان حل المشاكل عن طريق العودة إلى الوراء. وفي النهاية جاء ابن أخيه ووريثه بالتبني أوكتافيانس، الذي بين أن التغيرات الحاصلة غير قابلة للعكس، فكانت هذه بداية ما يعرف بالإمبراطورية الرومانية. لقد قام أوكتافيانس أولاً بمطاردة السياسيين الذين اغتالوا قيصر، ثم خاض حرباً أهلية وصلت به إلى مصر التي ضمت كمقاطعة رومانية بعد انتحار أنطونيوس وكليوباترا، وعندما عاد إلى روما مدعوماً بولاء جنوده السابقين وجنود يوليوس قيصر أيضاً، راح يستخدم سلطته بحذر، فجعل مجلس الشيوخ يؤمن الواجهة الجمهورية اللائقة لكل ما يفعل. وكان من الناحية الرسمية يحمل لقب Imperator ومعناه أنه قائد الجيش في ساحة القتال، ولكنه كان أيضاً ينتخب العام تلو العام إلى منصب القنصل، وهو أهم المناصب التنفيذية في الجمهورية. وأخيراً منح لقب فخري هو أوغسطس، وقد عرف بالتاريخ باسم أوغسطس قيصر. وظلت سلطته تزداد بازدياد المناصب والألقاب الشرفية التي تمنح له، ولكنه بقي يصر دوماً على أن هذا كله إنما يتم ضمن الإطار الجمهوري القديم، وكان يسمى Princeps أي مواطناً أول وليس ملكاً. وكان في الواقع يزداد اعتماداً على السلطة التي أتته بفضل سيطرته على الجيش، وقد نظم أول فيلق للخدمة في العاصمة نفسها وهو الحرس الإمبراطوري الخاص، وعلى الإدارة المكونة من موظفين مدنيين يعملون مقابل أجر. كان أوغسطس ينوي أن يخلفه قريب له، وكان هذا ابناً لزوجته بالتبني، إذ لم يكن له إلا ابنة وقد حمل خمسة قياصرة متتاليين من بعده لقبي Imperator و Princeps وبعد أن مات أوغسطس في عام 14 للميلاد أُلّه مثلما أله يوليوس قيصر قبله.
لقد كان هذا تغيراً كبيراً وضع الدولة الرومانية على طريق جديدة، إذ سوف يحكمها في المستقبل ملوك ولكنهم معتمدون على الجيش ومحتاجون لاسترضائه. وعندما مات أوغسطس كانت قد زالت السيطرة القديمة والطويلة لطبقة صغيرة من السياسيين في روما بانتصار واحدة من الأسر القائدة بينها، ولو أن سيادة القياصرة لم تخل من الاضطراب. وعندما دفن أوغسطس كان يذكر بإنجازاته العظيمة في إحلال السلام وإحياء التقاليد الرومانية القديمة. إلا أن أياً من القياصرة الثلاث الذين أتوا بعد خليفته تيباريوس لم يمت ميتة طبيعية، ويعتقد البعض أن تيباريوس نفسه لم يمت بصورة طبيعية أيضاً. لقد بات بإمكاننا الآن أن نسمي هذه الدولة إمبراطورية، وسوف تحقق هذه الإمبراطورية إنجازات عظيمة وتنشر حكم روما فوق أراض أوسع بعد، ولكنها سوف تنهار هي الأخرى في النهاية.